الشبكة اليمنية لتدقيق الحقائق - جميل الجعدبي

على نحو متزايد، وعلى نطاق واسع، تتسابق مواقع إخبارية يمنية عديدة، لإثارة انتباه الجمهور، بعناوين تضليلية خادعة، والتي تحقق معدّل زيارات عالية في غضون دقائق قليلة، غير أنّ هذه العناوين المثيرة ليست على ارتباط كامل/ دقيق بالمحتوى الخبري المقصود في العنوان.

العناوين الخادعة، أو ما يُعرف بـ"صيادة النقرات"، واحدة من ممارسات الاضطراب الإعلامي الحاصل في اليمن والمنطقة العربية، تقوم باستغلال سخونة الاحداث السياسية واهتمامات الجمهور، بصياغة عناوين خبرية مثيرة، تتعمّد حجب معلومات أساسية، وخلط وقائع واحداث وأسماء متشابهة ببعضها، بهدف دفع وإغراء المستخدمين والجمهور للنقر على روابط العناوين، وتداول هذه الاخبار في مواقع التواصل الاجتماعي.

ويعد الربط الكاذب بين العناوين/ الصور المرئية / التسميات التوضيحية وبين المحتوى الخبري، هو الأكثر شيوعاً لعدد من المواقع الإخبارية اليمنية، والتي دأبت مؤخراً على إغراء القراء ومستخدمي الانترنت بكتابة عناوين جاذبة تتلاعب بمشاعر الجمهور، وعند فتح روابط هذه العناوين في محركات البحث او مواقع التواصل يشعر المستخدم انه تعرض للخداع، وأنّ ما اثار انتباهه في العناوين ليس هو المقصود في المحتوى.

وبقليل من التحقق من دقّة هذه العناوين وتحليل محتواها، والتحقق من صحة عناوين بعض المواقع الالكترونية الإخبارية لفترات زمنية مختلفة، وتغطياتها لقضايا مجتمعية هامة متجددة، يتبين أنها عناوين تضليلية تتعمد التضليل والخداع وتركيب احداث ووقائع وأسماء متشابهة في غير سياقها المكاني أو الزمني، وأنه عند النقر على العناوين لقراءة المحتوى يتبيّن أنّ العنوان لا يرتبط كليا أو جزئيا بمضمون المحتوى.

 

 أخطاء إملائية ومعلومات اتصال منعدمة

استناداً الى منهجية الشبكة اليمنية لتدقيق الحقائق، في التحقق من دقّة هذه العناوين، بدأنا بملاحظة وجود عدد كبير من الأخطاء الاملائية والجمل غير المفهومة والاخطاء في القواعد النحوية في بعض محتوى هذه المواقع، الامر الذي يثير الشكوك في مصداقية عناوينها / محتواها.

وفي الخطوة الثانية بحثنا في معلومات الاتصال وارسال الردود والتعليقات في المواقع المختارة، بهدف الحصول على عنوان فعلي، أو رقم هاتف، أو عنوان البريد الالكتروني، وتبيّن أنّها تفتقر لمعلومات الاتصال والشفافية، وإن وجدت فهي غير مفعلة، كما ثبت خلوها من الحد الأدنى من المعلومات العامة في قسم "من نحن" أو "معلومات عنا"، أو "للاتصال بنا"، وهو ما يرفع درجة الشك في مصداقية العناوين/ المحتوى.

 وفاة وزير أسبق/ سابق للتعليم الفني وليس وزير التعليم الفني حاليا

بتدقيق نماذج من تلك العناوين، رصدنا ما نشره موقع "الاتحاد برس" بتاريخ 29 نوفمبر 2023 من عنوان مزعوم جاء فيه "عاجل .. وفاة وزير التعليم الفني بصنعاء ..." وهو العنوان الذي حصل على 3266 زيارة خلال 18 ساعة عبر قارئ الاخبار اليمني "صحافة 24 نت" ، كما هو مبين بالصورة رقم1.

خبر وفاة وزير التعليم بين الحقيقة والزيف (لقطة شاشة)

خبر وفاة وزير التعليم بين الحقيقة والزيف (لقطة شاشة)

عند فتح الرابط من محرك البحث يتبين أنّ المقصود بوزير التعليم الفني بصنعاء، هو وزير سابق تم تعيينه ضمن حكومة ما يعرف بـ"حكومة الإنقاذ" في صنعاء، في 28 نوفمبر 2016، ثم غادر الحكومة في تعديل وزاري في 2 أكتوبر 2018، أي أنّه غادر الوزارة منذ 5 سنوات ولم يعد وزيرا للتعليم الفني كما جاء في العنوان الخادع.

وفي دليل آخر جاء في الاخبار الرسمية أن وزارة التعليم الفني والتدريب المهني، نعت محسن على النقيب وزير التعليم الفني الأسبق الذي وافته المنية عن عمر ناهز 70 عاماً، وأنّ وزير التعليم الفني والتدريب المهني الحالي غازي أحمد علي محسن، عبّر عن تعازيه الحارة لنجل الفقيد وأفراد الأسرة وآل النقيب كافة بهذا المصاب.

 

فوز رياضي وليس قصف صاروخي

 

مثالٍ ثانٍ على العناوين التضليلية الخادعة، كتب موقع "العربي نيوز" في 18 ديسمبر 2023 عنوان خبري جاء فيه قصف صاروخي لدولة خليجية من اليمن (فيديو) ، وقد حصل العنوان على 4385 زيارة في غضون 22 ساعة عبر جامع الاخبار اليمني "صحافة 24 نت".

وجاء هذا العنوان في ظل التصعيد الأمني والعسكري الحاصل في البحر الأحمر وفي غزة، وزعم العنوان ومقدمة الخير أنّ دولة خليجية تعرضت لهجوم صاروخي عنيف مصدره اليمن، كما هو مبين بالصورة رقم 2.

خبر قصف صاروخ أم فوز منتخب ؟ (لقطة شاشة)

خبر قصف صاروخ أم فوز منتخب؟ (لقطة شاشة)

وعند التحقق من هذا العنوان، وفتح مضمون المحتوى في الموقع الأصلي، تبين للوهلة الأولى في آخر محتوى الخبر أنّ المقصود بالخبر هي نتيجة مباراة كرة قدم، وليس له علاقة بالمواجهات الحربية والتصعيد العسكري الحاصل.

وجاء في منتصف الخبر أنّ "منتخب اليمن للناشئين استطاع من السيطرة على الكرة في المباراة المقامة على استاد السعادة بصلالة في سلطنة عمان، وتمكن من سحق نظيره الاماراتي في الشوط الثاني للمباراة بهدفين نظيفين، سجلهما اللاعب اليمني الواعد عادل عباس، في الدقيقة 53، ثم الدقيقة 85 من زمن المباراة".

 

الغارة في العاصمة السورية دمشق وليس صنعاء

وفي سياق متصل باستغلال العمليات العسكرية في المنطقة العربية، كتب موقع "الاتحاد برس" في 25 ديسمبر 2023، عنوانا زعم فيه وقوع "غارة إسرائيلية غادرة تقصف العاصمة واستشهاد المستشار العسكري للجمهورية" وذلك بالتزامن مع التصعيد العسكري وتنفيذ صنعاء عمليات حربية ضد منشئات وسفن إسرائيلية لدعم غزة، وقد حصد العنوان الخبري على 4150 زيارة خلال ساعتين اثنتين، كما هو مبين بالصورة رقم 3 .

خبر غارة إسرائيلية بين الحقيقة والزيف (لقطة شاشة)

خبر غارة إسرائيلية بين الحقيقة والزيف (لقطة شاشة)

وبيّن التحقّق الأوليّ لهذا العنوان أنّ سياق وشخوص الخبر ليست في اليمن، وإنما في سوريا وإيران، وأن محتوى الخبر بعد النقر على رابط العنوان جاء متناولاً لبيان (نعي من الحرس الثوري الإيراني إلى الشعب الإيراني قائلا : ننعى إلى الشعب الإيراني المستشار العسكري العميد السيد رضي موسوي شهيدا إثر غارة إسرائيلية في دمشق).

روابط خبرية زائفة على حساب جودة ودقة المحتوى

ويعتبر دليل "الصحافة والاخبار الزائفة" الصادر عن منظمة اليونسكو عام 2020 ممارسات العناوين الخادعة واحدة من التأثيرات ذات الصلة بإضطراب المعلومات ، موضحاً أنّ هذه الممارسات (تُفهم على أنها استخدام عناوين مضللة لإغراء القراء بالضغط على روابط تحت ذرائع زائفة) وذلك بهدف زيادة عدد الزيارات، غير أنها تؤدّي الى تآكل الثقة في الصحافة المهنية، كما انها تسعى لتحقق الانتشار الفيروسي على حساب الجودة والدقة، متوقعا تفاقم هذه المشكلة مع ظهور التعليم الآلي.

ويصّنف الدليل الربط الكاذب بين العناوين والمحتوى ضمن فئات المعلومات التضليلية الضارة، مبيناً من أمثلة الربط الكاذب عدم دعم العناوين، أو الصور المرئية، أو التسميات التوضيحية للمحتوى، مشيراً الى شيوع هذا النوع من التضليل مع تزايد المنافسة على جذب انتباه الجمهور "إذ يتعين على المحررين على نحو متزايد كتابة عناوين لجذب النقرات، فاذا ما قرأ الناس المقالة/ الخبر يشعرون انهم تعرضوا للخداع".

وينوه الى إمكانية حدوث هذا التضليل عند استخدام الصور المرئية أو تعليقات الصور لا سيما على صفحات فيس بوك "لإعطاء انطباع معيّن، لا يتم دعمه بنص، وعندما يتنقل الأشخاص بين المنشورات على حساباتهم الاجتماعية دون النقر على الروابط ، يحدث غالبا- أن تكون هذه الصور وشروحاتها مضللة وخادعة" .

إجمالا يمكن استنتاج أنّ العناوين التضليلية الخادعة قد تجلب معدل زيارات مرتفعة، لكنها مع مرور الوقت تعمل على تآكل ثقة الجمهور في وظيفة ومهنية الصحافة الالكترونية في اليمن، كما أن ممارسات العناوين الخادعة والتلاعب بالسياقات يأتي عادة على حساب جودة المحتوى ودقته.

كما أنّ إغراء وتضليل وخداع القراء لتحقيق زيارات مرتفعة خاطفة فيه إخلال بالمسئولية الأخلاقية ومبادئ الصحافة، ولا يعد معيارا علميا دقيقا لقياس مستوى تدفق الجمهور، وأن عدد النقرات لا يُغني عن مدّة الاهتمام الحقيقي بالمادة الخبرية والفترة الزمنية للمكوث فـي الموقع.

روابط المصادر: